منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

منتديات فرسان المعرفة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الشمول والتنوع والتميز والإبداع

قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)أ
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة , أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرالله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم! اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم! اغفر لي جدي وهزلي. وخطئي وعمدي. وكل ذلك عندي. اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. وأنت على كل شيء قدير". رواه مسلم في صحيحه برقم (2719)
عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحة
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر". رواه مسلم في صحيحه برقم (2720)
عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول "اللهم! إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". رواه مسلم في صحيحه برقم(2721)
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه. قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". رواه مسلم في صحيحه برقم(2722)
عن عبدالله رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال: أراه قال فيهن "له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب! أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها. رب! أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. رب! أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر". وإذا أصبح قال ذلك أيضا "أصبحنا وأصبح الملك لله". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله رضى الله عنه . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن أبي موسى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) رواه البخاري.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) روه الشيخان والترمذي.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه أو موبقها) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استكثروا من الباقيات الصالحات ) قيل وما هن يارسول الله؟ قال ( التكبير والتهليل والتسبيح والحمدلله ولا حول ولاقوة إلابالله ) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الاسناد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله أربع- لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ). رواه مسلم

    تفسير سورة النساء - إبن كثير

    avatar
    د.سامي الشريف
    المشرف العام
    المشرف العام


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجدي
    عدد المساهمات : 469
    نقاط : 14887
    السٌّمعَة : 1214
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 58
    أوسمه : تفسير سورة النساء - إبن كثير Ououo_26

    تفسير سورة النساء - إبن كثير Empty تفسير سورة النساء - إبن كثير

    مُساهمة من طرف د.سامي الشريف الجمعة 29 نوفمبر 2013 - 8:29

    تفسير سورة النساء

    إبن كثير

    الجزء 2

    من الصفحة 204  وحتى الصفحة 486


    تفسير سورة النساء
    [وهي مدنية] (1)


    قال العَوْفِي عن ابن عباس : نزلت سورةُ النساء بالمدينة. وكذا رَوَى ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير ، وزيد بن ثابت ، ورَوَى من طريق عبد الله بن لَهِيعة ، عن أخيه عيسى ، عن عِكْرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حَبْس " (2).
    وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أبو البَخْتَرِي (3) عبد الله بن محمد شاكر ، حدثنا محمد بن بِشْر العَبْدي ، حدثنا مِسْعَر بن كِدَام ، عن مَعْن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : إن في سورة النساء لخمسُ آيات ما يَسُرّني أن لي بها الدنيا وما فيها : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } الآية ، و { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية ، و { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } و { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ } الآية ، و { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } ثم قال : هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن سمع من أبيه ، فقد اختلف في ذلك (4).
    وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن رجل ، عن ابن مسعود قال في خمس آيات من (5) النساء : لهن (6) أحب إلَيّ من الدنيا جَميعًا : { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } وقوله : { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } وقوله : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وقوله : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } وقوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ (7) أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } رواه ابن جرير : ثم روى من طريق صالح المري ، عن قتادة ، عن ابن عباس قال : ثماني آيات نزلت في سورة النساء هي خير (8) لهذه الأمة مما طَلَعت عليه الشمس وغربت ، أولاهن : { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } والثانية : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا } والثالثة : { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا }.
    ثم ذكر قول (9) ابن مسعود سواء ، يعني في الخمسة. (10) الباقية.
    وروى الحاكم من طريق أبي نُعَيم ، عن سفيان بن عُيَيْنَة ، عن عبيد الله (11) بن أبي يزيد ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ؛ سمعت ابن عباس يقول : سلوني عن سورة النساء ، فإني قرأت القرآن وأنا صغير. ثم قال : هذا حديث (12) صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.
    __________
    (1) زيادة من أ.
    (2) رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/162) والطبراني في المعجم الكبير (11/365) والدارقطني في السنن (4/68) ، وقال : "لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه وهما ضعيفان".
    (3) في جـ ، أ : "البحتري".
    (4) المستدرك (2/305).
    (5) في جـ ، أ : "في".
    (6) في جـ ، أ : "هن".
    (7) في هـ : "من رسله".
    (8) في جـ ، أ : "لهن".
    (9) في جـ ، ر ، أ : "ذكر مثل قول".
    (10) في ر ، أ : "الخمس".
    (11) في أ : "عبد الله".
    (12) المستدرك (2/301).
    (2/204)
    ----------------------

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) }
    يقول تعالى آمرًا خلقه بتقواه ، وهي عبادته وحده لا شريك له ، ومُنَبّهًا لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة ، وهي آدم ، عليه السلام { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } وهي حواء ، عليها السلام ، خلقت من ضِلعه الأيسر (1) من خلفه وهو نائم ، فاستيقظ فرآها فأعجبته ، فأنس إليها وأنست إليه.
    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مقاتل ، حدثنا وكيع ، عن أبي هلال ، عن قتادة ، عن ابن عباس قال : خُلقَت المرأة من الرجل ، فجعل نَهْمَتَها في الرجل ، وخلق الرجل من الأرض ، فجعل نهمته في الأرض ، فاحبسوا نساءكم.
    وفي الحديث الصحيح : "إن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عِوَج" (2).
    وقوله : { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً } أي : وذَرَأ منهما ، أي : من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء ، ونَشَرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم ، ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر.
    ثم قال تعالى : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ } أي : واتقوا الله بطاعتكم إياه ، قال إبراهيم ومجاهد والحسن : { الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ } أي : كما يقال : أسألك بالله وبالرَّحِم. وقال الضحاك : واتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، ولكن بروها وصِلُوها ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، والربيع وغير واحد.
    وقرأ (3) بعضهم : { والأرحام } بالخفض على العطف على الضمير في به ، أي : تساءلون بالله وبالأرحام ، كما قال مجاهد وغيره.
    وقوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } أي : هو مراقب لجميع أعمالكم وأحوالكم كما قال : { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [البروج : 9].
    وفي الحديث الصحيح : "اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (4) وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب ؛ ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب [واحد] (5) وأم واحدة ؛ ليعطفَ بعضهم على
    __________
    (1) في جـ ، ر ، أ : "الأقصر".
    (2) رواه مسلم في صحيحه برقم (1468) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    (3) في أ : "وقال".
    (4) رواه بهذا اللفظ الطبراني في المعجم الكبير والحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق كما في التهذيب (3/106) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، ولعل الحافظ ابن كثير يقصد بهذا الحديث حديث جبريل الطويل الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (28) ، وفيه "أخبرني عن الإحسان. قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
    (5) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (2/206)
    -----------------------------

    وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)
    بعض ، ويحننهم (1) على ضعفائهم ، وقد ثبت في صحيح مسلم ، من حديث جَرِير بن عبد الله البَجَلي ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مُضَر - وهم مُجْتابو النِّمار - أي من عُريِّهم وفَقْرهم - قام فَخَطَب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } حتى ختم الآية (2) وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [وَاتَّقُوا اللَّهَ] (3) } [الحشر : 18 ] ثم حَضَّهم (4) على الصدقة فقال : "تَصَدَّقَ رجُلٌ من دِينَاره ، من دِرْهَمِه ، من صَاعِ بُرِّه ، صَاعِ تَمْره..." وذكر تمام الحديث (5).
    وهكذا رواه (6) الإمام أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خُطْبَة الحاجة (7) وفيها ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ] (8) } الآية.
    { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) }
    يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحُلُم كاملة موفرة ، وينهى عن أكلها وضَمِّها إلى أموالهم ؛ ولهذا قال : { وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } قال سفيان الثوري ، عن أبي صالح : لا تعْجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك.
    وقال سعيد بن جبير : لا تبَدَّلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم ، يقول : لا تبذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام.
    وقال سعيد بن المسيّب والزهري : لا تُعْط مهزولا وتأخذ سمينا.
    وقال إبراهيم النَّخَعِي والضحاك : لا تعط زائفًا وتأخذ جيدًا.
    وقال السُّدِّي : كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غَنم اليتيم ، ويجعل فيها مكانها الشاة المهزولة ، ويقول (9) شاة بشاة ، ويأخذ الدرهم الجَيِّد ويطرح مكانه الزّيْف ، ويقول : درهم بدرهم.
    وقوله : { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } قال مجاهد ، وسعيد بن جبَيْر ، ومقاتل بن حَيَّان ، والسّدي ، وسفيان بن حُسَين : أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعا.
    __________
    (1) في ر : "وتحننهم".
    (2) في جـ ، ر ، أ : جاءت الآية كاملة.
    (3) زيادة من جـ ، أ.
    (4) في جـ ، أ : "حثهم".
    (5) صحيح مسلم برقم (1017).
    (6) في جـ ، ر ، أ : "روى".
    (7) المسند (4/358).
    (8) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (9) في أ : "فيقول".
    (2/207)
    -------------------------------------

    وقوله : { إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } قال ابن عباس : أي إثمًا كبيرًا عظيما.
    وقد رواه ابن مَرْدُويه ، عن أبي هريرة قال : سئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { حُوبًا كَبِيرًا } قال : "إثما كبيرًا". ولكن في إسناده محمد بن يونس الكُدَيْمي وهو ضعيف (1) وهكذا رُوي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وابن سيرين ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، وأبي مالك ، وزيد بن أسلم ، وأبي سِنَان مثل قول ابن عباس.
    وفي الحديث المروي في سنن أبي داود : "اغفر لنا حوبنا وخطايانا".
    وروى ابن مَرْدويه بإسناده إلى واصل ، مولى أبي عيينة ، عن محمد بن سِيرِين ، عن ابن عباس : أن أبا أيوب طَلَّق امرأته ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "يا أبا أيوب ، إن طلاق أم أيوب كان حوبا" قال (2) ابن سيرين : الحوب الإثم (3).
    ثم قال ابن مردويه : حدثنا عبد الباقي ، حدثنا بشر بن موسى ، أخبرنا هَوْذَة بن خليفة ، أخبرنا عَوْف ، عن أنس : أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "إن طلاق أم أيوب لحوب فأمسكها" (4) ثم رواه (5) ابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث علي بن عاصم ، عن حُمَيد الطويل ، سمعت أنس بن مالك يقول : أراد أبو طلحة أن يطلق أم سُليم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن طلاق أم سليم لحوب" فكف (6).
    والمعنى : إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه.
    وقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى } أي : إذا كان (7) تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها ، فليعدل إلى ما سواها من النساء ، فإنهن كثير ، ولم يضيق الله عليه.
    وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام ، عن ابن جُرَيج ، أخبرني هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ، عن عائشة ؛ أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها ، وكان لها عَذْق. وكان يمسكها عليه ، ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا [فِي الْيَتَامَى] (8) } أحسبه قال : كانت
    __________
    (1) وقال ابن عدي : قد اتهم بالوضع ، وقال ابن حبان : لعله وضع أكثر من ألف حديث وقال أبو عبيد الآجري : رأيت أبا داود يطلق في الكديمي الكذب.
    (2) في أ : "وقال".
    (3) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (12/196) من طريق يحيى الحماني عن حماد بن زيد عن واصل مولى أبي عيينة عن محمد بن سيرين عن ابن عباس أن أبا أيوب أراد أن يطلق أم أيوب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن طلاق أم أيوب لحوب" قال ابن سيرين : الحوب الإثم ، قال الهيثمي في المجمع (9/262) : "فيه يحيى الحماني وهو ضعيف".
    (4) هذا مرسل ، وأخرجه أبو داود في المراسيل برقم (233) عن وهب بن بقية عن خالد عن عوف عن أنس بن سيرين به. وأخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحديث كما في تخريج الكشاف للزيلعي (1/279) من طريق جرير عن واصل عن أنس بن سيرين به.
    (5) في أ : "ورواه"
    (6) المستدرك (2/302) ومن طريق البيهقي في السنن الكبرى (7/323) وقال الحاكم : صحيح وتعقبه الذهبي : "لا والله فيه على بن عاصم وهو واه".
    (7) في جـ ، ر ، أ : "كانت".
    (8) زيادة من جـ.
    (2/208)
    --------------------------------
    شريكَتَه في ذلك العَذْق وفي ماله.
    ثم قال البخاري : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى (1) { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى } قالت : يا ابن أختي (2) هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تَشْرَكه (3) في ماله ويعجبُه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يَقْسِط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن (4) ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ، ويبلغُوا بهنَّ أعلى سُنتهنَّ في الصداق ، وأمِروا أن ينكحُوا ما طاب لهم من النساء سواهُنَّ. قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفْتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية ، فأنزل الله [تعالى] (5) { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ } قالت عائشة : وقولُ الله في الآية الأخرى : { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } [النساء : 127]رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا (6) أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى (7) النساء إلا بالقسط ، من أجل رغبتهم عنهن إذا كُن قليلات المال والجمال (8).
    وقوله : { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } [فاطر : 1]أي : انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن (9) شاء أحدكم ثنتين ، [وإن شاء ثلاثا] (10) وإن شاء أربعا ، كما قال تعالى : { جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } [ فاطر : 1 ] أي : منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ولا ينفي (11) ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه ، بخلاف قصر الرجال على أربع ، فمن (12) هذه الآية كما قاله ابن عباس وجمهور العلماء ؛ لأن المقام مقام امتنان وإباحة ، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره.
    قال الشافعي : وقد دَلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة.
    وهذا الذي قاله الشافعي ، رحمه الله ، مجمع عليه بين العلماء ، إلا ما حُكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع. وقال بعضهم : بلا حصر. وقد يتمسك بعضهم بفعل النبي (13) صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيحين ، وإما إحدى عشرة كما جاء في بعض ألفاظ البخاري. وقد علقه (14) البخاري ، وقد روينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة ، ودخل منهن بثلاث عشرة ، واجتمع عنده إحدى عشرة ومات عن تسع. وهذا عند العلماء من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأمة ، لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع.
    __________
    (1) في جـ ، أ : "عز وجل".
    (2) في ر : "أخي".
    (3) في أ : "تشتركه".
    (4) في جـ ، أ : "فنهوا عن أن".
    (5) زيادة من ر.
    (6) في جـ ، ر ، أ : "قلت : فنهوا".
    (7) في ر : "باقي".
    (8) صحيح البخاري برقم (4573 ، 4574).
    (9) في جـ ، أ : "إذا".
    (10) زيادة من أ.
    (11) في أ : "ولا ينبغي".
    (12) في جـ ، ر ، أ : "من".
    (13) في جـ ، ر ، أ : "رسول الله".
    (14) في جـ ، ر ، أ : "علله".
    (2/209)
    ----------------------------

    ذكر الأحاديث في ذلك :
    قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا حدثنا معمر ، عن الزهري. قال ابن جعفر في حديثه : أنبأنا ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه : أن غيلان بن سَلَمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اختر منهن أربعا. فلما كان في عهد عمر طلق نساءه ، وقسم ماله بين بنيه ، فبلغ ذلك عمر فقال : إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك (1) ولعلك لا تمكث إلا قليلا. وايم الله لتراجعنَّ نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثُهن منك ، ولآمرن بقبرك فيرجم ، كما رجم قبرُ أبي رِغَال (2).
    وهكذا رواه الشافعي والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرهم عن إسماعيل بن عُلَيَّة وغُنْدَر ويزيد بن زُرَيع وسعيد بن أبي عَرُوبة ، وسفيان الثوري ، وعيسى بن يونس ، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي ، والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ ، عن مَعْمَر - بإسناده - مثله إلى قوله : اختر (3) منهن أربعا. وباقي (4) الحديث في قصة عمر من أفراد أحمد (5) وهي زيادة حسنة وهي مضعفة لما علل به البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي ، حيث قال بعد روايته له : سمعتُ البخاري يقول : هذا حديث غير محفوظ ، والصحيح ما روى شُعَيْب وغيره ، عن الزهري ، حُدّثتُ عن محمد بن سُوَيد الثقفي أنّ غيلان بن سلمة ، فذكره. قال البخاري : وإنما حديث الزهري عن سالم عن أبيه : أن رجلا من ثقيف طلق نساءه ، فقال له عمر : لتراجعَنَّ نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغَال.
    وهذا التعليل فيه نظر ، والله أعلم. وقد رواه عبد الرزاق ، عن مَعمر ، عن الزهري مرسلا (6) وهكذا (7) رواه مالك ، عن الزهري مرسلا. قال أبو زرعة : وهو أصح (8).
    قال البيهقي : ورواه عقيل ، عن الزهري : بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد.
    قال أبو حاتم : وهذا وَهْم ، إنما هو الزهري عن عثمان بن أبي سويد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
    __________
    (1) في ر : "نيتك".
    (2) قبر أبي رغال في الطائف ، وقد روى ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الطائف مر بقبر أبي رغال فقال : إن هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان ، فدفن فيه ، وقيل : إن أبا رغال كان دليل أبرهة في طريقه لهدم الكعبة.
    قال الحافظ ابن كثير : والجمع بينهما أن أبا رغال المتأخر وافق اسمه اسم جده الأعلى ورجمه الناس كما رجموا قبر الأول أيضا. وقد قال جرير : إذا مات الفرزدق فارجموه... كرجمكم بقبر أبي رغال
    ثم قال : والظاهر أنه الثاني. البداية والنهاية (2/159).
    (3) في جـ : "واختر".
    (4) في أ : "ويأتي".
    (5) المسند (2/14) والشافعي في الأم (5/49) وسنن الترمذي برقم (1128) وسنن ابن ماجة برقم (1953) وسنن الدارقطني (3/271) وسنن البيهقي الكبرى (7/182) ، وقد توسع الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/168) والشيخ ناصر الألباني (6/292) وحكم عليه بالصحة.
    (6) المصنف لعبد الرزاق (12621).
    (7) في أ : "وقد".
    (8) رواه ابن أبي حاتم في العلل (1/400) حدثني أبو زرعة عن عبد العزيز الأويسي عن مالك عن الزهري به مرسلا.
    (2/210)
    ---------------------------------------

    فذكره (1).
    قال البيهقي : ورواه يونس وابن عُيَيْنَةَ ، عن الزهري ، عن محمد بن أبي سويد.
    وهذا كما علله البخاري. وهذا الإسناد الذي قدمناه من مسند الإمام أحمد رجاله ثقاتٌ على شرط الصحيحين (2) ثم قد رُوي من غير طريق مَعْمَر ، بل والزهري قال (3) الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو علي (4) الحافظ ، حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي ، حدثنا أبو بُرَيد عَمْرو بن يزيد الجرمي (5) أخبرنا سيف بن عُبَيد (6) حدثنا سَرَّار بن مُجَشَّر ، عن أيوب ، عن نافع وسالم ، عن ابن عمر : أن غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوة فأسلم وأسلَمْنَ معه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا. هكذا أخرجه النسائي في سننه. قال أبو علي بن السكن : تفرد به سرار بنُ مُجَشر وهو ثقة ، وكذا وثقه ابن معين. قال أبو علي : وكذلك رواه السَّمَيْدع بن واهب (7) عن سرار.
    قال البيهقي : وروينا من حديث قيس بن الحارث أو الحارث بن قيس ، وعروة بن مسعود الثقفي ، وصفوان بن أمية - يعني حديث غيلان بن سلمة (8).
    فوجهُ الدلالة أنَّه لو كان يجوز الجمعُ بين أكثر من أربع لسوغَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة (9) وقد أسلمن معه ، فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن دل على أنه لا يجوز الجمعُ بين أكثر من أربع بحال ، وإذا كان هذا في الدوام ، ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
    حديث آخر في ذلك : روى أبو داود وابن ماجة في سننهما (10) من طريق محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، عن حُمَيضة (11) بن الشَّمَرْدَل - وعند ابن ماجة : بنت الشمردل ، وحكى أبو داود أن منهم من يقول : الشمرذل بالذال المعجمة - عن قيس بن الحارث. وعند أبي داود في رواية : الحارث بن قيس بن (12) عميرة الأسدي قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : "اختر منهن أربعا".
    وهذا الإسناد حسن ، ومجرد هذا الاختلاف لا يضر مثلُه ، لما للحديث من الشواهد (13).
    حديث آخر في ذلك : قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله ، في
    __________
    (1) العلل لابن أبي حاتم (1/401).
    (2) في جـ ، ر ، أ : "على شرط الشيخين".
    (3) في جـ ، ر ، أ : "فقال".
    (4) في أ : "أبو يعلى".
    (5) في جـ ، أ : "أبو يزيد عمرو بن يزيد الحربي" ، وفي ر : "أبو يزيد عمر بن يزيد الجرمي".
    (6) في جـ : "عبد الله".
    (7) في جـ ، ر ، أ : "وهب".
    (8) السنن الكبرى (7/183) وهذه الرواية دليل على أن معمر لم ينفرد بوصله ، وهي شاهد جيد على وصل الحديث.
    (9) في جـ : "العشر".
    (10) في ر : "سننيهما".
    (11) في أ : "حميصة".
    (12) في جـ ، ر ، أ : "أن".
    (13) سنن أبي داود برقم (2242 ، 2241) وسنن ابن ماجة برقم (1952) ورجح المزي أن اسمه "قيس بن الحارث".
    (2/211)
    ------------------------------------------------

    مسنده : أخبرني من سمع ابن أبي الزِّناد يقول : أخبرني عبد المجيد بن سُهَيل بن (1) عبد الرحمن عن عوف بن الحارث ، عن نوفل بن معاوية الديلي ، رضي الله عنه ، قال : أسلمت وعندي خمس نسوة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اختر (2) أربعا أيتهن شئت ، وفارق الأخرى" ، فَعَمَدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة ، فطلقتها (3).
    فهذه كلها شواهد بصحة ما تقدم من حديث غَيْلان كما قاله الحافظ أبو بكر البيهقي ، رحمه الله (4).
    وقوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أي : فإن خشيتم (5) من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن ، كما قال تعالى : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } [النساء : 129]فمن خاف من ذلك فيقتصر على واحدة ، أو على الجواري السراري ، فإنه لا يجب قسم (6) بينهن ، ولكن يستحب ، فمن فعل فحسن ، ومن لا فلا حرج.
    وقوله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا } قال بعضهم : [أي] (7) أدنى ألا تكثر عائلتكم. قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشافعي ، رحمهم الله ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } أي (8) فقرًا { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } [التوبة : 28] وقال الشاعر (9)
    فما يَدري الفقير متى غناه... ومَا يَدرِي الغَنيُّ متى يعيل...
    وتقول العرب : عال الرجل يعيل عَيْلة ، إذا افتقر ولكن في هذا التفسير هاهنا نظر ؛ فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر ، كذلك يخشى من تعداد السراري أيضا. والصحيح قول الجمهور : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا } أي : لا تجوروا. يقال : عال في الحكم : إذا قَسَط وظلم وجار ، وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة :
    بميزان قسطٍ لا يَخيس (10) شعيرة... له شاهد من نفسه غير عائل (11)
    وقال هُشَيم : عن أبي إسحاق قال : كتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه : إني لست بميزان لا أعول. رواه ابن جرير.
    وقد روى ابن أبي حاتم ، وابن مَرْدويه ، وأبو حاتم ابن حِبَّان في صحيحه ، من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم دُحَيْم ، حدثنا محمد بن شعيب ، عن عمر بن محمد بن زيد ، عن (12) عبد الله بن عمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم { ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا } قال : "لا تجوروا".
    __________
    (1) في أ : "عن".
    (2) في جـ ، ر ، أ : "أمسك".
    (3) مسند الشافعي برقم (1606) ومن طريق البيهقي في السنن الكبرى (7/184).
    (4) في أ : "رحمة الله عليه".
    (5) في أ : "خفتم".
    (6) في ر : "القسم".
    (7) زيادة من جـ.
    (8) في جـ ، ر : "أو".
    (9) هو أحيحة بن الجلاح الأوسي ، والبيت في تفسير الطبري (7/549) وفي اللسان مادة (عيل).
    (10) في أ : "تخس".
    (11) البيت في تفسير الطبري (7/550).
    (12) في أ : "بن".
    (2/212)
    --------------------------------------

    قال ابن أبي حاتم : قال أبي : هذا حديث خطأ ، والصحيح : عن عائشة. موقوف (1).
    وقال ابن أبي حاتم : وروى عن ابن عباس ، وعائشة ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وأبي مالك وأبي رَزِين والنَّخعي ، والشَّعْبي ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، وقتادة ، والسُّدِّي ، ومُقاتل بن حَيَّان : أنهم قالوا : لا تميلوا (2) وقد استشهد عِكْرمة ، رحمه الله ، ببيت أبي طالب الذي قدمناه ، ولكن ما أنشده كما هو المروي في السيرة ، وقد رواه ابن جرير ، ثم أنشده جيدا ، واختار ذلك.
    وقوله : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : النحلة : المهر.
    وقال محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : نحلة : فريضة. وقال مقاتل وقتادة وابن جريج : نحلة : أي فريضة. زاد ابن جريج : مسماه. وقال ابن زيد : النحلة في كلام العرب : الواجب ، يقول : لا تنكحها إلا بشيء واجب لها ، وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب ، ولا ينبغي أن يكون (3) تسمية الصداق كذبا بغير حق.
    ومضمون كلامهم : أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حَتمًا ، وأن يكون طيب النفس بذلك ، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبًا بها ، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك ، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبًا ؛ ولهذا قال [تعالى] (4) { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا }
    قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، عن سفيان ، عن السدي ، عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة ، عن علي قال : إذا اشتكى أحدكم شيئًا ، فَلْيسأل امرأته ثلاثة (5) دراهم أو نحو ذلك ، فليبتع بها عسلا ثم ليأخذ ماء السماء فيجتمع هنيئًا مريئًا شفاء مباركا.
    وقال هُشَيم ، عن سيار ، عن أبي صالح قال : كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها ، فنهاهم الله عن ذلك ، ونزل : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان عن عمير (6) الخثعمي ، عن عبد الملك (7) بن المغيرة الطائفي ، عن عبد الرحمن بن البَيْلَمَاني (8) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } قالوا : يا رسول الله ، فما العلائق بينهم ؟ قال : "ما تراضى عليه أهْلوهُم" (9).
    وقد روى ابن مَرْدُويه من طريق حَجَّاج بن أرْطاة ، عن عبد الملك بن المغيرة ، عن عبد الرحمن بن البَيْلمَاني (10) عن عمر بن الخطاب قال : خَطَبَ (11) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "أنكحوا الأيامى" ثلاثا ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ، ما العلائق بينهم ؟ قال : "ما تراضى عليه أهلوهم".
    __________
    (1) صحيح ابن حبان برقم (1730) "موارد".
    (2) في أ : "أن لا تميلوا".
    (3) في ر : "تكون".
    (4) زيادة من ر ، أ.
    (5) في أ : "بثلاثة".
    (6) في أ : "عمر".
    (7) في ر : "عبد الله".
    (8) في جـ ، ر ، أ : "عبد الرحمن السلماني".
    (9) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (7/239) وابن أبي شيبة في المصنف (14/184) وأبو داود في المراسيل برقم (215).
    (10) في جـ ، ر ، أ : "السلماني".
    (11) في جـ ، ر ، أ : "خطبنا".
    (2/213)
    ----------------------------------------


    عدل سابقا من قبل د.سامي الشريف في الجمعة 29 نوفمبر 2013 - 9:31 عدل 1 مرات
    avatar
    د.سامي الشريف
    المشرف العام
    المشرف العام


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجدي
    عدد المساهمات : 469
    نقاط : 14887
    السٌّمعَة : 1214
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 58
    أوسمه : تفسير سورة النساء - إبن كثير Ououo_26

    تفسير سورة النساء - إبن كثير Empty رد: تفسير سورة النساء - إبن كثير

    مُساهمة من طرف د.سامي الشريف الجمعة 29 نوفمبر 2013 - 8:51

    وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)
    ابن البَيْلمَاني (1) ضعيف ، ثم فيه انقطاع أيضًا (2).
    { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6) }
    ينهى تعالى عن تَمْكين السفهاء من التصرّف في الأموال التي جعلها الله للناس قياما ، أي : تقوم (3) بها معايشهم من التجارات وغيرها. ومن هاهنا يُؤْخَذُ الحجر على السفهاء ، وهم أقسام : فتارة يكون الحَجْرُ للصغر ؛ فإن الصغير مسلوب العبارة. وتارة يكون الحجرُ للجنون ، وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين ، وتارة يكون الحجر للفَلَس ، وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاقَ ماله عن وفائها ، فإذا سأل (4) الغُرَماء الحاكم الحَجْرَ عليه حَجَرَ عليه.
    وقد قال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } قال : هم بَنُوك والنساء ، وكذا قال ابن مسعود ، والحكم بن عُتَيبة (5) والحسن ، والضحاك : هم النساء والصبيان.
    وقال سعيد بن جُبَير : هم اليتامى. وقال مجاهد وعكرمة وقتادة : هم النساء.
    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عَمّار ، حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا عثمان بن أبي العائكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وإن النساء السُّفَهاء إلا التي أطاعت قَيِّمَها".
    ورواه ابن مَرْدُويه مطولا (6).
    وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن مسلم بن إبراهيم ، حدثنا حَرْب بن سُرَيج (7) عن معاوية بن قرة (8) عن أبي هريرة { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } قال : الخدم ، وهم شياطين الإنس وهم الخدم.
    وقوله : { وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس يقول [تعالى] (9) لا تَعْمَد إلى مالك وما خَوَّلك الله ، وجعله معيشة ، فتعطيَه امرأتك أو بَنيكَ ، ثم تنظر (10) إلى ما في أيديهم ، ولكن أمْسكْ مالك وأصلحْه ، وكن أنت الذي تنفق عليهم من
    __________
    (1) في جـ ، ر ، أ : "السلماني".
    (2) ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (4/186) وسعيد بن منصور في السنن برقم (619) "الأعظمي" والبيهقي في السنن الكبرى (7/239) كلهم من طريق حجاج بن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمن البيلماني مولى عمر بن الخطاب قال : فذكره مرسلا ، وأظن أن "مولى" تصحفت في النسخ إلى "عن" وأكاد أجزم بذلك لقول الحافظ ابن كثير "فيه انقطاع" ، فإن الانقطاع بإرساله ، ولو كان عن عمر لكان موصولا.
    (3) في أ : "يقوم".
    (4) في ر : "سألوا".
    (5) في جـ ، ر ، أ : "عيينة".
    (6) ذكره السيوطي في الدر (2/433) وفي إسناده عثمان بن أبي العاتكة وقد ضعف في روايته عن علي بن يزيد الألهاني.
    (7) في جـ ، ر ، أ : "شريح".
    (8) في أ : "مرة".
    (9) زيادة من أ.
    (10) في ر : "تنتظر".
    (2/214)
    --------------------------------------
    كسْوتهم ومؤنتهم ورزقهم.
    وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن فرَاس ، عن الشعبي ، عن أبي بُرْدة ، عن أبي موسى قال : ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم : رجل كانت له امرأة سَيّئة الخُلُق فلم يُطَلقها ، ورجل أعطى ماله سفيها ، وقد قال : { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } ورجل كان له على رجل دين فلم يُشْهِد عليه.
    وقال مجاهد : { وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا } يعني في البر والصلة.
    وهذه الآية الكريمة انتظمت الإحسان إلى العائلة ، ومَنْ تحت الحَجْر بالفعل ، من الإنفاق في الكساوي والإنفاق (1) والكلام الطيب ، وتحسين الأخلاق.
    وقوله تعالى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، والسدي ، ومقاتل بن حيان : أي اختبروهم { حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } قال مجاهد : يعني : الحُلُم. قال الجمهور من العلماء : البلوغ في الغلام تارة يكون بالحُلُم ، وهو أن يرى في منامه ما ينزل به الماء الدافق الذي يكون منه الولد. وقد روى أبو داود في سننه (2) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يُتْم بعد احتلام ولا صُمَات يوم إلى الليل" (3).
    وفي الحديث الآخر عن عائشة وغيرها من الصحابة ، رضي الله عنهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثة : عن الصَّبِيِّ حتى يَحْتلمَ ، وعن النائم حتى يَسْتيقظ ، وعن المجنون حتى يُفِيق" أو يستكمل (4) خمس عشرة سنة ، وأخذوا ذلك من الحديث الثابت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال : عُرِضْت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة ، فلم يجزني ، وعرضت عليه يوم الخَنْدَق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني ، فقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز - لما بلغه هذا الحديث - إن هذا الفرق بين الصغير والكبير (5).
    واختلفوا في إنبات (6) الشعر الخشن حول الفرج ، وهو الشِّعْرة ، هل تَدُل على بلوغ أم لا ؟ على ثلاثة أقوال ، يفرق في الثالث بين صبيان المسلمين ، فلا يدل (7) على ذلك لاحتمال المعالجة ، وبين صبيان أهل الذمة فيكون بلوغا في حقهم ؛ لأنه لا يتعجل بها إلا ضرب الجزية عليه ، فلا يعالجها. والصحيح أنها بلوغ في حق الجميع لأن هذا أمر جِبِلِّيٌّ يستوي فيه الناس ، واحتمال المعالجة بعيد ، ثم قد دلت السنة على ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عن عَطيَّةَ القُرَظيّ ، رضي الله عنه قال : عُرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قُرَيْظة فكان من أنْبَتَ قُتل ، ومن لم يُنْبت خَلّي سبيله ، فكنت فيمن لم يُنْبِت ، فخلي سبيلي.
    __________
    (1) في جـ ، ر ، أ : "الأرزاق".
    (2) في جـ ، أ : "بإسناده".
    (3) سنن أبي داود برقم (2873).
    (4) في جـ ، أ : "ويستكمل".
    (5) صحيح البخاري برقم (2664) وصحيح مسلم برقم (1868).
    (6) في ر : "إثبات".
    (7) في جـ ، أ : "فلا يدل بلوغ".
    (2/215)
    ------------------------------------------
    وقد أخرجه أهل السنن الأربعة بنحوه (1) وقال الترمذي : حسن صحيح. وإنما كان كذلك ؛ لأن سعد بن معاذ ، رضي الله عنه ، كان قد حكم فيهم بقتل المقاتلة وسَبْي الذرية.
    وقال الإمام أبو عبيد (2) القاسم بن سلام في كتاب "الغريب" : حدثنا ابن علية ، عن إسماعيل بن أمية ، عن محمد بن يحيى بن حيان ، عن عمر : أن غلاما ابتهر جارية في شعره ، فقال عمر ، رضي الله عنه : انظروا إليه. فلم يوجد أنبت ، فَدَرَأَ عنه الحَد. قال أبو عُبَيد : ابتهرها : أي قذفها ، والابتهار (3) أن يقول : فعلت بها وهو كاذب (4) فإن كان صادقا فهو الابتيار ، قال الكميت في شعره.
    قبيح بمثلي نعتُ الفَتَاة... إمَّا ابتهارًا وإمَّا ابتيارا (5)
    وقوله : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } قال سعيد بن جبير : يعني : صَلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم. وكذا روي عن ابن عباس ، والحسن البصري ، وغير واحد من الأئمة. وهكذا قال الفقهاء متَى بلغَ الغلام مُصْلحًا لدينه وماله ، انفك الحجر عنه ، فيسلم إليه ماله الذي تحت يد وليه بطريقه.
    وقوله : { وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا } ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية إسرافا ومبادرةً قبل بلوغهم.
    ثم قال تعالى : { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } [أي] (6) من كان في غُنْية عن مال اليتيم فَلْيستعففْ عنه ، ولا يأكل منه شيئا. قال الشعبي : هو عليه كالميتة والدم.
    { وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا الأشج ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } نزلت في مال (7) اليتيم.
    وحدثنا الأشج وهارون بن إسحاق قالا حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام ، عن أبيه ، عن ، قالت : نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجا أن يأكل منه.
    وحدثنا أبي ، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، حدثنا علي (8) بن مسهر ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : أنزلت هذه الآية في والي اليتيم { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } بقدر قيامه عليه.
    ورواه البخاري عن إسحاق عَنْ عبد الله بن نُمَير ، عن هشام ، به.
    قال الفقهاء : له أن يأكل أقل الأمرين : أجْرَةَ مثله أو قدر حاجته. واختلفوا : هل يرد إذا أيسر ، على قولين : أحدهما : لا ؛ لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيرا. وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي ؛ لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل. وقد قال الإمام أحمد :
    __________
    (1) المسند (4/310) وسنن أبي داود برقم (4404) (4405) وسنن الترمذي برقم (1584) وسنن النسائي (6/155) وسنن ابن ماجة برقم (2541 ، 2542).
    (2) في جـ ، أ : "أبو عبد الله".
    (3) في جـ ، ر : "قال : والابتهار".
    (4) في ر : "كذب".
    (5) غريب الحديث لأبي عبيد (3/289) والبيت في اللسان أيضا مادة (بهر).
    (6) زيادة من جـ ، أ.
    (7) في جـ ، ر ، أ : "والى".
    (8) في جـ ، أ : "الأصبهاني وعلي".
    (2/216)
    ---------------------------------------
    حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا حسين ، عن عَمْرو بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جده : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ليس لي مال ولي يتيم ؟ فقال : "كُلْ من مال يتيمك غير مُسْرِف ولا مُبذر ولا متأثِّل مالا ومن غير أن تقي مالك - أو قال : تفدي مالك - بماله" شك حسين (1).
    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، حدثنا حسين المكتب ، عن عَمْرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي يتيما عنده مال - وليس عنده شيء ما - آكل من ماله ؟ قال : "بالمعروف غير مُسرف".
    ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة من حديث حسين المعلم (2) به.
    وروى أبو حاتم ابن حبّان في صحيحه ، وابن مردويه في تفسيره من حديث يعلى بن مهدي ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عامر الخَزّاز ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر : أن رجلا قال : يا رسول الله ، فيم أضرب يتيمي ؟ قال : ما كنتَ ضاربا منه ولدك ، غير واق مالك بماله ، ولا متأثل منه مالا (3).
    وقال ابن جرير : حدثنا الحسن (4) بن يحيى ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا الثوري ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال : إن في حجري أيتاما ، وإن لهم إبلا ولي إبل ، وأنا أمنح (5) في إبلي وأفْقر فماذا يحل لي من ألبانها ؟ فقال : إن كنت تبغي ضالتها وتهْنَأ جرباها ، وتلوط حوضها ، وتسقى (6) عليها ، فاشرب غير مُضر بنسل ، ولا ناهك في الحلب.
    ورواه مالك في موطئه ، عن يحيى بن سعيد (7) به.
    وبهذا القول - وهو عدمُ أداء البدل (8) - يقول عطاء بن أبي رباح ، وعكرمة ، وإبراهيم النخعيّ ، وعطية العوْفي ، والحسن البصري.
    والثاني : نعم ؛ لأن مال اليتيم على الحظْر ، وإنما أبيح للحاجة ، فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة. وقد قال أبو بكر ابن أبي الدنيا : حدثنا ابن خيثمة ، حدثنا وَكِيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مُضرَب قال : قال عمر [بن الخطاب] (9) رضي الله عنه : إنى أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة والي اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن احتجت استقرضت ،
    __________
    (1) المسند (3/186).
    (2) سنن أبي داود برقم (2872) ، وسنن النسائي (6/256) وسنن ابن ماجة برقم (2718).
    (3) رواه ابن حبان في صحيحه برقم (4244) "الإحسان" ورواه البيهقي في السنن الكبرى (6/4) والطبراني في المعجم الصغير (1/89) كلاهما من طريق أبي عامر الخزاز عن عمرو بن دينار به.
    (4) في جـ ، أ : "الحسين".
    (5) في أ : "أشبع".
    (6) في أ : "وتسعى".
    (7) تفسير الطبري (7/588) وموطأ مالك (2/934) ومن طريق مالك رواه النحاس في الناسخ والمنسوخ (ص 298) ثم قال : "هذا إسناد صحيح".
    (8) في جـ : "وهو رد عدم البدل".
    (9) زيادة من جـ.
    (2/217)
    ________________________________________
    فإذا أيسرتُ قضيت (1).
    طريق أخرى : قال سعيد بن منصور : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : قال لي عمر ، رضي الله عنه : إني أنزلْتُ نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم ، إن احْتَجْتُ أخذت منه ، فإذا أيسَرت رَدَدْتُه ، وإن اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ.
    إسناد صحيح (2) وروَى البيهقي عن ابن عباس نحوَ ذلك. وهكذا رواه ابنُ أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } يعني : القرض. قال : ورُوي عن عُبَيدة ، وأبي العالية ، وأبي وائل ، وسعيد بن جُبَير - في إحدى الروايات - ومجاهد ، والضحاك ، والسّدي نحو ذلك. وروي من طريق السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } قال : يأكل بثلاث أصابع.
    ثم قال : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا ابن مَهْديّ ، حدثنا سفيانُ ، عن الحكم ، عن مقْسم ، عن ابن عباس : { وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } قال : يأكل من ماله ، يقوت على يتيمه (3) حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم. قال : ورُوي عن مجاهد وميمون بن مِهْران في إحدى الروايات والحكم نحو ذلك.
    وقال عامر الشَّعْبِيّ : لا يأكل منه إلا أن يضطر إليه ، كما يضطر إلى [أكل] (4) الميتة ، فإن أكل منه قضاه. رواه ابن أبي حاتم.
    وقال ابن وهب : حدثني نافع بن أبي نُعَيْم القَارئ قال : سألت يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة عن قول الله : { فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } فقالا (5) ذلك في اليتيم ، إن كان فقيرا أنفق (6) عليه بقدر فقره ، ولم يكن للولي منه شيء.
    وهذا بعيد من السياق ؛ لأنه قال : { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } يعني : من الأولياء { وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } أي : منهم { فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } أي : بالتي هي أحسن ، كما قال في الآية الأخرى : { وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [الإسراء : 34]أي : لا تقربوه إلا مصلحين له ، وإن احتجتم إليه أكلتم منه بالمعروف.
    وقوله : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } يعني : بعد بلوغهم الحلم وإيناس الرشد [منهم] (7) فحينئذ سلموهم أموالهم ، فإذا دفعتم إليهم أموالهم { فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } وهذا أمر الله تعالى للأولياء (8) أن يشهدوا على الأيتام إذا بلغوا الحلم وسلموا (9) إليهم أموالهم ؛ لئلا يقع من بعضهم جُحُود وإنكار لما قبضه وتسلمه.
    __________
    (1) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (6/5) والطبري في تفسيره (7/582) من طريق سفيان وإسرائيل به.
    (2) ورواه النحاس في الناسخ والمنسوخ (ص 296) من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق به.
    (3) في جـ ، أ : "على نفسه".
    (4) زيادة من جـ.
    (5) في جـ : "قال" ، وفي أ : "قالا".
    (6) في جـ : "تنفق" وفي أ : "انتفق".
    (7) زيادة من جـ ، أ.
    (8) في جـ : "هذا أمر الله للأولياء".
    (9) في جـ ، ر : "تسلموا" ، وفي أ : "ويسلموا".
    (2/218)
    ________________________________________
    ثم قال : { وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } أي : وكفى بالله محاسبا وشهيدًا ورقيبا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام ، وحال تسليمهم (1) للأموال : هل هي كاملة موفرة ، أو منقوصة مَبْخوسة مدخلة مروج حسابها مدلس أمورها ؟ الله عالم بذلك كله. ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تَأَمَّرَن على اثنين ، ولا تَلِيَنَّ مال يتيم" (2).
    __________
    (1) في و : "تسلمهم الأموال".
    (2) صحيح مسلم برقم (1826).
    (2/219)
    -----------------------------

    لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)
    { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) }
    قال سعيد بن جبير وقتادة : كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ، ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئا ، فأنزل الله : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ [وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا] (1) } أي : الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى ، يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله [تعالى] (2) لكل منهم ، بما يدلي به إلى الميت من قرابة ، أو زوجية ، أو ولاء. فإنه لُحْمَة كَلُحمة النسب. وقد روى ابن مردويه من طريق ابن هَرَاسة (3) عن سفيان الثوري ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر قال : جاءت أم كُجَّة (4) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن لي ابنتين ، وقد مات أبوهما ، وليس لهما شيء ، فأنزل الله تعالى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ } الآية ، وسيأتي هذا الحديثُ عند آيتي الميراث بسياق آخر ، والله أعلم.
    وقوله : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ [أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا] (5) } قيل : المراد : وإذا حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث واليتامى والمساكين فَلْيَرْضَخْ لهم من التركة نصيب ، وأن ذلك كان واجبا في ابتداء الإسلام. وقيل : يستحب (6) واختلفوا : هل هو منسوخ أم لا ؟ على قولين ، فقال البخاري : حدثنا أحمد بن حُمَيد أخبرنا عُبَيدُ الله (7) الأشجعي ، عن سُفْيان ، عن الشَّيْباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ } قال : هي مُحْكَمَة ، وليست بمنسوخة. تابعه سَعيد عن ابن عباس.
    وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا عَبَّاد بن العَوَّام ، عن الحجاج ، عن الحَكَم ، عن مِقْسم ، عن ابن عباس قال : هي قائمة يعمل بها.
    __________
    (1) زيادة من جـ ، ر ، أ ، وفي هـ : "الآية".
    (2) زيادة من أ.
    (3) في جـ : "من طريق ابن راهويه" وفي أ : "من طريق هواسة".
    (4) في ر : "لجه".
    (5) زيادة من جـ ، ر ، أ ، وفي الأصل : "الآية".
    (6) في أ : "مستحب".
    (7) في أ : "عبد الله".
    (2/219)
    ________________________________________

    وقال الثوري ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد في هذه الآية ، قال : هي واجبة على أهل الميراث ، ما طابت به أنفسهم. وهكذا روي عن ابن مسعود ، وأبي موسى ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وأبي العالية ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ، وسعيد بن جُبَير ، ومكحول ، وإبراهيم النَّخَعي ، وعطاء بن أبي رباح ، والزهري ، ويحيى بن يَعْمَرَ : إنها واجبة.
    وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ، عن إسماعيل بن عُلَيَّةَ ، عن يونس بن عُبَيد ، عن محمد بن سيرين قال : ولي عبيدة وصية ، فأمر بشاة فذبحت ، فأطعم أصحاب هذه الآية ، وقال : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي.
    وقال مالك ، فيما يروى عنه من التفسير في جزء مجموع ، عن الزهري : أن عروة أعْطى من مال مصعب حين قسم ماله. وقال الزهري : وهي محكمة.
    وقال مالك ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد قال : هو حق واجب ما طابت به الأنفس.
    ذكر من ذهب إلى أن ذلك أمر بالوصية لهم :
    قال عبد الرزاق : أخبرنا ابن جُرَيج (1) أخبرني ابن أبي مُلَيكة : أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، والقاسم بن محمد أخبراه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حَية قالا فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه. قالا وتلا { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى } قال القاسم : فذكرت ذلك لابن عباس فقال : ما أصاب ، ليس ذلك له ، إنما ذلك إلى الوصية ، وإنما هذه الآية في الوصية يزيد الميت [أن] (2) يوصي لهم. رواه ابن أبي حاتم (3).
    ذكر من قال : إن هذه الآية منسوخة بالكلية :
    قال سفيان الثوري ، عن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } قال : منسوخة.
    وقال إسماعيل بن مسلم المكي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال في هذه الآية : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى } نسختها الآية التي بعدها : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ }
    وقال العَوْفي ، عن ابن عَبَّاس في هذه الآية : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى } كان ذلك قبل أن تَنزل (4) الفرائض ، فأنزل الله بعد ذلك الفرائض ، فأعطى كل ذي حق حقه ، فجعلت الصدقة فيما سَمى المتوفى. رواهن ابن مَرْدُويه.
    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن (5) بن محمد بن الصبَّاح ، حدثنا حَجَّاج ، عن ابن جُرَيج وعثمان بن عطاء عن عَطاء ، عن ابن عباس قوله : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ }
    __________
    (1) في أ : "ابن جرير".
    (2) زيادة من أ.
    (3) ورواه الطبري في تفسيره (8/10 ، 11) من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة به.
    (4) في جـ ، أ : "ينزل".
    (5) في جـ ، أ : "الحسين".
    (2/220)
    ________________________________________
    نسختها آية الميراث ، فجعل لكل إنسان نصيبه مما تَرك الوالدان والأقربون - مما قل منه أو كثر - [نصيبا مفروضا] (1)
    وحدثنا أسيد بن عاصم ، حدثنا سعيد بن عامر ، عن همام ، حدثنا (2) قتادة ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : إنها منسوخة ، كانت قبل الفرائض ، كان ما ترك الرجل من مال أعطى منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حَضروا القسمة ، ثم نسخ بعد ذلك ، نسختها المواريث ، فألحق الله بكل ذي حَق حقه ، وصارت الوصية من ماله ، يوصي بها لذوي قرابته حيث يشاء.
    وقال مالك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : هي منسوخة ، نسختها المواريث والوصية.
    وهكذا روي عن عكرمة ، وأبي الشعثاء ، والقاسم بن محمد ، وأبي صالح ، وأبي مالك ، وزيد ابن أسلم ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حَيَّان ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن : أنهم قالوا : إنها (3) منسوخة. وهذا مذهب جُمْهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم.
    وقد اختار ابن جرير هاهنا قولا غريبا جدًا ، وحاصله : أن معنى الآية عنده { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } أي : وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت { فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ } لليتامى والمساكين إذا حضروا { قَوْلا مَعْرُوفًا } هذا مضمون ما حاوله بعد طُول العبارة والتكرار ، وفيه نظر ، والله أعلم.
    وقد قال العَوْفي عن ابن عباس : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } وهي قسمة الميراث. وهكذا قال غير واحد ، والمعنى على هذا لا على ما سلكه أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله ، بل المعنى : أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يَرثون ، واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل ، فإن أنفسهم تتوق (4) إلى شيء منه ، إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهذا يأخذ ، وهم يائسون لا شيء يعطون ، فأمر الله تعالى - وهو الرءوف الرحيم - أن يُرضَخ لهم شيء من الوسَط يكون برا بهم (5) وصدقة عليهم ، وإحسانا إليهم ، وجبرا لكسرهم. كما قال الله تعالى : { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [الأنعام : 141]وذم الذين ينقلون المال (6) خفية ؛ خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة ، كما أخبر عن أصحاب الجنة { إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [القلم : 17]أي : بليل. وقال : { فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ. أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ } [القلم : 23 ، 24]{ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [محمد : 10]فمن جَحَد حق الله عليه عاقبه (7) في أعز ما يملكه ؛ ولهذا جاء في الحديث : "ما خالطت الصَّدَقَةُ مالا إلا أفسدته" (8) أي : منعها يكون سبب محاق ذلك المال بالكلية.
    __________
    (1) زيادة من جـ ، أ.
    (2) في جـ ، أ : "عن".
    (3) في أ : "هي".
    (4) في جـ ، ر ، أ : "تتشوق".
    (5) في أ : "لهم".
    (6) في جـ : "يشتغلون بالمال" ، وفي ر ، أ : "يستغلون المال".
    (7) في أ : "عاقبه الله".
    (8) رواه البزار في مسنده برقم (881) "كشف الأستار" من حديث عائشة ، وقال الهيثمي في المجمع (3/64) : "فيه عثمان الجمحي قال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به".
    (2/221)
    --------------------------
    وقوله : { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ [ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ] (1) } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هذا في الرجل يَحْضُره الموت ، فيسمعه الرجل يوصي بوصية تَضر بورثته ، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ، ويوفقه ويسدده للصواب ، ولينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضَّيْعَةَ.
    وهكذا قال مجاهد وغير واحد ، وثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سَعْد بن أبي وقاص يعوده قال : يا رسول الله ، إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : "لا". قال : فالشَّطْر ؟ قال : "لا". قال : فالثلث ؟ قال : "الثلث ، والثلث كثير". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنك إن تَذر وَرَثَتَك أغنياء خَيْر من أن تَذَرَهم عَالةً يتكَفَّفُون الناس" (2).
    وفي الصحيح أن ابن عباس قال : لو أن الناس غَضّوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "الثلث ، والثلث كثير" (3).
    قال الفقهاء : إن كان ورثة الميت أغنياء استُحب للميت أن يَسْتَوفي الثلث في وصيته (4) وإن كانوا فقراء استُحب أن يَنْقُص الثلث.
    وقيل : المراد بقوله : { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ } [أي] (5) في مباشرة أموال اليتامى { وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا }
    حكاه ابن جرير من طريق العَوْفي ، عن ابن عباس : وهو قول حسن ، يتأيد بما بعده من التهديد في أكل مال اليتامى ظلما ، أي : كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك ، فعامل الناس في ذرياتهم (6) إذا وليتهم.
    ثم أعلمهم أن من أكل مال يتيم ظلما فإنما يأكل في بطنه نارًا ؛ ولهذا قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } أي : إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب ، فإنما يأكلون نارًا تَأجَّج (7) في بطونهم يوم القيامة. وثبت في الصحيحين من حديث سليمان ابن بلال ، عن ثَوْر بن زيد (8) عن سالم أبي الغَيْث ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اجْتَنبوا السَّبْعَ الموبقات" قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : "الشِّرْكُ بالله ، والسِّحْر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولِّي يوم الزَّحْفِ ، وقَذْفُ المحصنات المؤمنات الغافلات".
    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبيدة (9) أخبرنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العمِّى ، حدثنا أبو هاروي (10) العَبْدي عن أبي سعيد الخدري قال : قلنا : يا رسول الله ، ما رأيت
    __________
    (1) زيادة من جـ ، ر ، أ ، وفي هـ : "الآية".
    (2) صحيح البخاري برقم (2742) وصحيح مسلم برقم (1628).
    (3) صحيح البخاري برقم (2743) وصحيح مسلم برقم (1629).
    (4) في أ : "أن يستوفى في وصيته ثلث ماله".
    (5) زيادة من جـ ، ر.
    (6) في أ : "ذراريهم".
    (7) في جـ ، أ : "تتأجج".
    (8) في جـ ، أ : "يزيد".
    (9) في أ : "عبد الله".
    (10) في جـ ، ر ، أ : "هارون".
    (2/222)
    --------------------------------------
    avatar
    د.سامي الشريف
    المشرف العام
    المشرف العام


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجدي
    عدد المساهمات : 469
    نقاط : 14887
    السٌّمعَة : 1214
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 58
    أوسمه : تفسير سورة النساء - إبن كثير Ououo_26

    تفسير سورة النساء - إبن كثير Empty رد: تفسير سورة النساء - إبن كثير

    مُساهمة من طرف د.سامي الشريف الجمعة 29 نوفمبر 2013 - 10:01

    يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)
    ليلة أسري بك ؟ قال : "انطَلَق بي إلى خَلْقٍ من خَلْقِ الله كثير ، رِجَال ، كل رجل له مِشْفَران كمشفري البعير ، وهو موَكَّل بهم رجال يفكون (1) لحاء (2) أحدهم ، ثم يُجَاءُ بِصَخْرَةٍ من نار فَتُقْذَف في فِي أحدهم حتى يخرج من أسفله ولهم (3) خُوار وصُرَاخ. قلت (4) يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلْمًا إنما يأكلون في بطونهم نارا وسَيَصْلَوْن سَعِيرًا" (5).
    وقال السدي : يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج (6) من فِيهِ ومن مسامعه وأنفه وعينيه ، يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم.
    وقال أبو بكر ابن مردويه : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا أحمد بن عمرو ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس بن بُكَير ، حدثنا زياد بن المنذر ، عن نافع بن الحارث عن أبي برزة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "يبعث يوم القيامة القوم (7) من قبورهم تَأَجَّج أفواههم نارا" قيل : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : "ألم تر أن الله قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا] (8) } الآية.
    رواه (9) ابن أبي حاتم ، عن أبي زُرْعة ، عن عُقْبة بن مكرم وأخرجه أبو حاتم بن حبّان في صحيحه ، عن أحمد بن علي بن المثنى ، عن عقبة بن مكرم (10).
    وقال ابن مَردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، أحمد بن عصام (11) حدثنا أبو عامر العبدي ، حدثنا عبد الله (12) بن جعفر الزهري ، عن عثمان بن محمد ، عن المقبرِيّ ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أُحَرِّجُ مال الضَّعِيفيْن : المرأة واليتيم" (13) أي (14) أوصيكم باجتناب مالهما.
    وتقدم في سورة البقرة من طريق عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أنزل الله : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا] (15) } انطلق من كان عنده يتيم ، فَعَزَل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء فَيُحْبَس له حتى يأكله أو يفسد (16) فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ] (17) } [البقرة : 220].
    { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) }
    __________
    (1) في أ : "يكفون".
    (2) في ر : "لحيي".
    (3) في ر ، أ : "وله".
    (4) في أ : "فقلت".
    (5) ورواه الطبري في تفسيره (8/27) من طريق معمر عن أبي هارون العبدي به.
    قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله : "أبو هارون العبدي هو عمارة بن جوين روى عن أبي سعيد وابن عمر وهو ضعيف ، وقالوا : كذاب" قال الدارقطني : "يتلون ، خارجي وشيعي" وقال ابن حبان : "كان يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب".
    (6) في ر : "تخرج".
    (7) في جـ : "ناس".
    (8) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (9) في جـ ، أ : "أخرجه".
    (10) صحيح ابن حبان برقم (2580) "موارد" من طريق أبي يعلى وهو في مسنده (13/434) وفي إسناده زياد بن المنذر وشيخه نفيع بن الحارث متروكان عند الأئمة.
    (11) في أ : "عاصم".
    (12) في ر : "عبيد الله".
    (13) وفي إسناده أحمد بن عصام الموصلي ضعفه الدارقطني.
    (14) في أ : "إني".
    (15) زيادة من جـ ، ر ، أ ، وفي هـ : "الآية".
    (16) في ر : "أو يفسده".
    (17) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (2/223)
    ________________________________________
    هذه الآية الكريمة والتي (1) بعدها والآية التي هي خاتمة هذه السورة هن آيات علم الفرائض ، وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث ، ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هي كالتفسير لذلك وَلنذْكُرْ منها ما هو متعلق بتفسير ذلك ، وأما تقرير المسائل ونصب الخلاف والأدلة ، والحجاج بين الأئمة ، فموضعه كتاب "الأحكام" فالله المستعان (2).
    وقد ورد الترغيب في تعلم الفرائض ، وهذه الفرائض الخاصة (3) من أهم ذلك. وقد روى أبو داود وابن ماجة ، من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنه (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "العِلْمُ ثلاثة ، وما سِوَى ذلك فهو فَضْلٌ : آية مُحْكَمَةٌ ، أو سُنَّةٌ قائمةٌ ، أو فَريضةٌ عَادَلةٌ" (5).
    وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا أبا هريرة ، تَعلَّمُوا الفرائِضَ وعلِّموهُ فإنه نصْف العلم ، وهو يُنْسَى ، وهو أول شيء (6) يُنْتزَع من أمتي".
    رواه ابن ماجة ، وفي إسناده ضعف (7).
    وقد رُوي من حديث عبد الله بن مسعود وأبي سعيد (8) وفي كل منهما نظر. قال [سفيان] (9) ابن عيينة : إنما سَمَّى الفرائض نصفَ العلم ؛ لأنه يبتلى (10) به الناس كلهم.
    وقال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام : أن ابن جُرَيج
    __________
    (1) في ر : "والذي".
    (2) في جـ ، ر ، أ : "وبالله المستعان".
    (3) في جـ ، أ : "الخاصة وهي من أهم ذلك".
    (4) في جـ ، ر ، أ : "عنهما".
    (5) سنن أبي داود برقم (2885) وسنن ابن ماجة برقم (54) ورواه الحاكم في المستدرك (4/332) والبيهقي في السنن الكبرى (6/208) والدارقطني في السنن (4/67) من طريق عبد الرحمن بن زياد الإفريقي به. قال الذهبي في هذا الحديث والذي بعده : الحديثان ضعيفان.
    (6) في جـ ، أ : "علم".
    (7) سنن ابن ماجة برقم (2719) ورواه الدارقطني في السنن (4/67) والحاكم في المستدرك (4/332) والبيهقي في السنن الكبرى (6/208) من طريق حفص بن عمر بن أبي العطاف به. قال الذهبي : "فيه حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو واه بمرة".
    (8) حديث ابن مسعود "تعلموا الفرائض وعلموها فإني امرؤ مقبوض.." الحديث ، رواه الحاكم في المستدرك (4/333).
    (9) زيادة من : ر ، أ.
    (10) في أ : "تبتلى".
    (2/224)
    ________________________________________
    أخبرهم قال : أخبرني ابن المُنْكدِر ، عن جابر بن عبد الله قال : عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سَلمَةَ ماشيين ، فوجَدَني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا ، فدعا بماء فتوضأ منه ، ثم رَش عَلَيَّ ، فأفقت ، فقلت : ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله ؟ فنزلت : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ }.
    وكذا رواه مسلم والنسائي ، من حديث حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج (1) به ، ورواه الجماعةُ كُلّهم من حديث سفيان بن عُيَينة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر (2).
    حديث آخر عن جابر في سبب نزول الآية : قال الإمام أحمد : حَدّثنا زكريا بن عدي ، حدثنا عبيد الله - هو ابن عَمْرو (3) الرقيّ - عن عبد الله بن محمد بن عَقيل ، عن جابر قال : جاءت امرأة سعد بن الرَّبيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قُتل أبوهما معك في أحُد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يَدَعْ لهما مالا ولا يُنْكَحَان إلا ولهما مال. قال : فقال : "يَقْضِي اللَّهُ في ذلك". قال : فنزلت آية الميراث ، فأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال : "أعْطِ ابْنَتي سعد الثلثين ، وأُمُّهُمَا الثُّمُنَ ، وما بقي فهو لك".
    وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة ، من طرق ، عن عبد الله بن محمد بن عُقَيل ، به. قال الترمذي : ولا يعرف إلا من حديثه (4).
    والظاهر أن (5) حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي ، فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ، ولم يكن له بنات ، وإنما كان يورث كلالة ، ولكن ذكرنا الحديث هاهنا تبعا للبخاري ، رحمه الله ، فإنه ذكره هاهنا. والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية ، والله أعلم.
    فقوله (6) تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ } أي : يأمركم بالعدل فيهم ، فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث ، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث ، وفاوت بين الصنفين ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتجشُّم المشقة ، فناسب أن يُعْطَى ضعْفَيْ ما تأخذه (7) الأنثى.
    وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ } أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالد بولده ، حيث أوصى الوالدين بأولادهم ، فعلم (8) أنه أرحم بهم منهم ، كما جاء في الحديث الصحيح.
    __________
    (1) صحيح البخاري برقم (4577) وصحيح مسلم برقم (1616) وسنن النسائي الكبرى برقم (6323).
    (2) طريق سفيان رواها البخاري في صحيحه برقم (5651) ومسلم في صحيحه برقم (1616) وأبو داود في السنن برقم (2886) والترمذي في السنن برقم (2097) والنسائي في السنن (1/87) وابن ماجة في السنن برقم (2728).
    (3) في أ : "عمر".
    (4) المسند (3/352) وسنن أبي داود برقم (2892 ، 2891) وسنن الترمذي برقم (2092) وسنن ابن ماجة برقم (2720).
    (5) في أ : "أنه".
    (6) في أ : "وقوله".
    (7) في ر : "ما تأخذ".
    (8) في أ : "منكم".
    (2/225)
    -------------------------------
    وقد رأى امرأة من السَّبْي تدور على ولدها ، فلما وجدته أخذته فألْصَقَتْه بصَدْرها وأرضعته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : "أتَروْن هذهِ طارحةَ ولدها (1) في النار وهي تَقْدِرُ على ذلك ؟ " قالوا : لا يا رسول الله : قال : "فَوَاللهِ للَّهُ أًرْحَمُ بعبادِهِ من هذه بِوَلَدِهَا".
    وقال البخاري هاهنا : حدثنا محمد بن يوسف ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن عَطاء ، عن ابن عباس قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين ، فنَسَخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث ، وجعل للزوجة الثمن والربع ، وللزوج الشطر والربع (2).
    وقال العَوفي ، عن ابن عباس قوله : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ } وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فَرَضَ الله فيها ما فرض ، للولد الذكر والأنثى والأبوين ، كرهها الناس أو بعضهم وقالوا : تُعطَى المرأة الربع أو الثمن (3) وتعطى البنت (4) النصف. ويعطى الغلام الصغير. وليس أحد من هؤلاء يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة.. اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيغير ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، نعطي الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفَرَس ، ولا تقاتل القوم ونُعطِي (5) الصبي الميراث وليس يُغني (6) شيئا.. وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه الأكبر فالأكبر. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير أيضا.
    وقوله : { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } قال بعض الناس : قوله : { فوق } زائدة وتقديره : فإن كنّ نساء اثنتين كما في قوله [تعالى] (7) { فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ } [الأنفال : 12] وهذا غير مُسَلَّم لا هنا ولا هناك ؛ فإنه ليس في القرآن شيء زائد لا فائدة فيه وهذا ممتنع ، ثم قوله : { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } لو كان المراد ما قالوه لقال : فلهما ثلثا ما ترك. وإنما استفيد كون الثلثين للبنتين (8) من حكم الأختين في الآية الأخيرة ، فإنه تعالى حكم فيها للأختين بالثلثين. وإذا ورث الأختان الثلثين فلأن يرث البنتان الثلثين بطريق الأولى (9) وقد تقدم في حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم لابنتي سعد بن الربيع بالثلثين ، فدل الكتاب والسنة على ذلك ، وأيضا فإنه قال : { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } فلو كان للبنتين النصف [أيضا] (10) لنص عليه ، فلما حكم به للواحدة على انفرادها دل على أن البنتين في حكم الثلاث والله أعلم.
    وقوله : { وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ] (11) }
    __________
    (1) في جـ : "بولدها".
    (2) صحيح البخاري برقم (4578).
    (3) في أ : "والثمن".
    (4) في ر : "ويعطى الابنة" ، وفي جـ : "وتعطى الابنة".
    (5) في ر ، أ : "ويعطي".
    (6) في ر : "يعني".
    (7) زيادة من جـ.
    (8) في جـ ، ر : "كون للبنتين الثلثان".
    (9) في جـ ، ر ، أ : "الأحرى".
    (10) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (11) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (2/226)
    ________________________________________
    إلى آخره ، الأبوان لهما في الميراث أحوال :
    أحدها : أن يجتمعا مع الأولاد ، فيفرض لكل واحد منهما السدس فإن لم يكن للميت إلا بنت واحدة ، فرض لها النصف ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس ، وأخذ الأب السدس الآخر بالتعصيب ، فيجمع (1) له - والحالة هذه - بين هذه الفرض والتعصيب.
    الحال الثاني : أن ينفرد الأبوان بالميراث ، فيفرض للأم - والحالة هذه - الثلث ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض ، ويكون قد أخذ ضعفي ما فرض (2) للأم ، وهو الثلثان ، فلو كان معهما - والحالة هذه - زوج أو زوجة أخذ الزوج النصف والزوجة (3) الربع. ثم اختلف العلماء : ما تأخذ (4) الأم بعد فرض الزوج والزوجة على ثلاثة أقوال :
    أحدها : أنها تأخذ ثلث الباقي في المسألتين ؛ لأن الباقي كأنه (5) جميع الميراث بالنسبة إليهما. وقد جعل الله لها نصف ما جعل للأب فتأخذ ثلث الباقي ويأخذ ثلثيه (6) وهو قول عمر وعثمان ، وأصح الروايتين عن علي. وبه يقول ابن مسعود وزيد بن ثابت ، وهو قول الفقهاء السبعة ، والأئمة الأربعة ، وجمهور العلماء - رحمهم الله.
    والقول الثاني : أنها تأخذ ثلث جميع المال لعموم قوله : { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ } فإن الآية أعم من أن يكون معها زوج أو زوجة أو لا. وهو قول ابن عباس. وروي عن علي ، ومعاذ بن جبل ، نحوه. وبه يقول شريح وداود بن علي الظاهري واختاره الإمام أبو الحسين محمد بن عبد الله بن اللبان البصري (7) في كتابه "الإيجاز في علم الفرائض".
    وهذا فيه نظر ، بل هو ضعيف ؛ لأن ظاهر الآية إنما هو [ما] (8) إذا استبد بجميع التركة ، فأما في هذه المسألة فيأخذ الزوج أو الزوجة الفرض ، ويبقى الباقي كأنه جميع التركة ، فتأخذ ثلثه ، كما تقدم.
    والقول الثالث : أنها تأخذ ثلث جميع المال في مسألة الزوجة ، فإنها تأخذ الربع وهو ثلاثة (9) من اثني عشر ، وتأخذ الأم الثلث وهو أربعة ، فيبقى (10) خمسة للأب. وأما في مسألة الزوج فتأخذ ثلث الباقي ؛ لئلا تأخذ أكثر من الأب لو أخذت ثلث المال ، فتكون المسألة من ستة : للزوج النصف ثلاثة (11) وللأم ثلث ما بقي (12) وهو سهم ، وللأب الباقي بعد ذلك وهو سهمان. ويحكى هذا عن محمد بن سيرين ، رحمه الله ، وهو مركب من القولين الأولين ، موافق كلا منهما في صورة وهو ضعيف أيضا. والصحيح الأول ، والله أعلم.
    والحال الثالث من أحوال الأبوين : وهو اجتماعهما مع الإخوة ، وسواء كانوا من الأبوين ، أو من
    __________
    (1) في أ : "فيجتمع".
    (2) في جـ : "ما حصل" وفي ر : "ما فضل".
    (3) في جـ ، ر : "أو الزوجة".
    (4) في أ : "ماذا تأخذ".
    (5) في أ : "كان".
    (6) في ر : "الباقي".
    (7) في أ : "المصري".
    (8) زيادة من أ.
    (9) في جـ ، ر : "ثلثه".
    (10) في أ : "فبقى".
    (11) في جـ ، ر : "ثلثه".
    (12) في جـ : "الباقي".
    (2/227)
    ------------------------------
    الأب ، أو من الأم ، فإنهم لا يرثون مع الأب شيئًا ، ولكنهم مع ذلك يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس ، فيفرض لها مع وجودهم السدس ، فإن لم يكن وارث سواها وسوى الأب أخذ الأب الباقي.
    وحكم الأخوين فيما ذكرناه كحكم الإخوة عند الجمهور. وقد روى البيهقي من طريق شُعْبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال : إن الأخوين لا يَردان الأم عن الثلث ، قال الله تعالى : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة. فقال عثمان : لا أستطيع تغيير ما كان قبلي ، ومضى في ال**ار ، وتوارث به الناس.
    وفي صحة هذا الأثر نظر ، فإن شُعْبَة هذا تكلَّم فيه مالك بن أنس ، ولو كان هذا صحيحا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصاء به ، والمنقول عنهم خلافه.
    وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، عن أبيه أنه قال : الأخوان تسمى إخوة (1) وقد أفردت لهذه المسألة جُزءًا على حدة.
    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز بن المغيرة ، حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد ، عن قتادة قوله : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ } أضروا بالأم ولا يرثون ، ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث ويحجبها ما فوق ذلك ، وكان أهل العلم يَرون أنهم إنما حجبوا أمهم من الثلث أن أباهم يلي إنكاحهم ونفقته (2) عليهم دون أمهم.
    وهذا كلام (3) حسن. لكن روي عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه كان يرى أن السدس الذي حجبوه عن أمهم يكون لهم ، وهذا قول شاذ ، رواه ابن جرير في تفسيره فقال :
    حدثنا الحسن بن يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر عن ابن طاوس ، عن أبيه عن ابن عباس ، قال : السدس الذي حَجَبَتْه الإخوة لأم لهم ، إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أبيهم.
    ثم قال ابن جرير : وهذا قول مخالف لجميع الأمة ، وقد حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، أخبرنا عَمْرو ، عن الحسن بن محمد ، عن ابن عباس أنه قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد.
    وقوله : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } أجمع العلماء سلفًا وخلفًا : أن الدَّيْن مقدم على الوصية ، وذلك عند إمعان النظر يفهم من فَحْوَى الآية الكريمة. وقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وأصحاب التفاسير ، من حديث أبي إسحاق ، عن الحارث بن عبد الله الأعور ، عن علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] (4) قال : إنكم تقرءون { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العَلات ، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. ثم قال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث الحارث الأعور ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم (5).
    __________
    (1) في جـ ، ر ، أ : "وتسمى الأخوان إخوة".
    (2) في جـ : "والنفقة".
    (3) في جـ : "الكلام".
    (4) زيادة من أ.
    (5) سنن الترمذي برقم (2094).
    (2/228)
    ________________________________________
    قلت : لكن كان حافظًا للفرائض معتنياً بها وبالحساب (1) فالله (2) أعلم.
    وقوله : { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا } أي : إنما فرضنا للآباء وللأبناء ، وساوينا بين الكل في أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية ، وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد وللوالدين (3) الوصية ، كما تقدم عن ابن عباس ، إنما نسخ الله ذلك إلى هذا ، ففرض لهؤلاء ولهؤلاء بحسبهم ؛ لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي - أو الأخروي أو هما - من أبيه ما لا يأتيه من ابنه ، وقد يكون بالعكس ؛ فلهذا قال : { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا } أي : كأن (4) النفع متوقع ومرجو من هذا ، كما هو متوقع ومرجو من الآخر ؛ فلهذا فرضنا لهذا ولهذا ، وساوينا بين القسمين في أصل الميراث ، والله أعلم.
    وقوله : { فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ } أي : [من] (5) هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث ، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض - هو فرض من الله حكم به وقضاه ، والله (6) عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها ، ويعطي كلا ما يستحقه بحسبه ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }
    __________
    (1) قال أبو بكر بن أبي داود : "الحارث كان أفقه وأفرض الناس وأحسب الناس ، تعلم الفرائض من علي" ، وقيل للشعبي : كنت تختلف إلى الحارث ؟ قال : نعم ، كنت أختلف إليه أتعلم الحساب ، كان أحسب الناس.
    لكن ضعف في روايته للحديث ، ضعفه جماعة منهم الشعبي وجرير وابن مهدي وابن المديني ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم. انظر : تهذيب الكمال (5/244).
    (2) في ر : "والله".
    (3) في ر ، أ : "وللأبوين".
    (4) في جـ ، ر ، أ : "كما أن".
    (5) زيادة من ر.
    (6) في جـ ، ر ، أ : "وهو".
    (2/229)
    ---------------------
    وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)
    { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) }
    يقول تعالى : ولكم - أيها الرجال - نصف ما ترك أزواجكم إذا مُتْن عن غير ولد ، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد [وصية] (1) يوصين بها أو دين. وقد تقدم أن الدين مقدم على الوصية ، وبعده الوصية ثم الميراث ، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ، وحكم أولاد البنين وإن سفلوا حكم أولاد الصلب.
    ثم قال : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ] (2) } إلخ ، وسواء في الربع أو الثمن الزوجة والزوجتان الاثنتان والثلاث والأربع يشتركن (3) فيه.
    __________
    (1) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (2) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (3) في أ : "يشتركون".
    (2/229)
    --------------------------
    وقوله : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ } إلخ ، الكلام عليه كما تقدم.
    وقوله : { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً } الكلالة : مشتقة من الإكليل ، وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه ، والمراد هنا (1) من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه ، كما روى الشعبي عن أبي بكر الصديق : أنه سئل عن الكلالة ، فقال : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابًا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه : الكلالة من لا ولد له ولا والد. فلما ولي عمر بن الخطاب قال : إني لأستحيي (2) أن أخالف أبا بكر في رأي رآه. رواه ابن جرير وغيره (3).
    وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ، حدثنا سفيان ، عن سليمان الأحول ، عن طاوس قال : سمعت عبد الله بن عباس يقول : كنت آخر الناس عهدا بعمر بن الخطاب ، فسمعته يقول : القول ما قلت ، وما قلت (4) وما قلت. قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد (5).
    وهكذا قال علي بن أبي طالب وابن مسعود ، وصح عن (6) غير وجه عن عبد الله بن عباس ، وزيد بن ثابت ، وبه يقول الشعبي والنخعي ، والحسن البصري ، وقتادة ، وجابر بن زيد ، والحكم. وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة. وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف (7) بل جميعهم. وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد ، وورد فيه حديث مرفوع. قال أبو الحسين بن اللبان : وقد روي عن ابن عباس ما يخالف ذلك ، وهو أنه لا ولد له. والصحيح عنه الأول ، ولعل الراوي ما فهم عنه (8) ما أراد.
    وقوله : { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } أي : من أم ، كما هو في قراءة بعض السلف ، منهم سعد بن أبي وقاص ، وكذا فسرها أبو بكر الصديق فيما رواه (9) قتادة عنه ، { فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }
    وإخوة الأم يخالفون بقية الورثة من وجوه ، أحدها : أنهم يرثون مع من أدلوا به وهي الأم. الثاني : أن ذكرهم وأنثاهم سواء. الثالث : أنهم لا يرثون إلا إذا كان ميتهم يورث كلالة ، فلا يرثون مع أب ، ولا جد ، ولا ولد ، ولا (10) ولد ابن. الرابع : أنهم لا يزادون (11) على الثلث ، وإن كثر (12) ذكورهم وإناثهم.
    قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وَهْب ، أخبرنا يونس ، عن الزهري قال : قضى عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أن ميراث الإخوة من الأم بينهم ، للذكر مثل الأنثى (13) قال محمد بن شهاب الزهري : ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علم بذلك (14) من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذه الآية التي قال الله
    __________
    (1) في أ : "هاهنا".
    (2) في ر : "إنني لأستحي" ، وفي جـ ، أ : "إني أستحي".
    (3) تفسير الطبري (8/54) ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (591) ومن طريقه رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/244) من طريق سفيان عن عاصم الأحول بنحوه.
    (4) في ر : "القول".
    (5) تفسير ابن أبي حاتم (2/ل115) ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (589) من طريق سفيان بن عيينة به.
    (6) في جـ ، ر ، أ : "من".
    (7) في جـ ، ر : "الخلف والسلف".
    (8) في جـ : "ولعل الراوي عنه ما فهم ما أراد".
    (9) في أ : "فيما روى".
    (10) في جـ : "وكذا".
    (11) في أ : "يزدادون".
    (12) في جـ : "كنا".
    (13) في ر : "مثل حظ الأنثيين".
    (14) في جـ : "ذلك".
    (2/230)
    ________________________________________
    avatar
    د.سامي الشريف
    المشرف العام
    المشرف العام


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجدي
    عدد المساهمات : 469
    نقاط : 14887
    السٌّمعَة : 1214
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 58
    أوسمه : تفسير سورة النساء - إبن كثير Ououo_26

    تفسير سورة النساء - إبن كثير Empty رد: تفسير سورة النساء - إبن كثير

    مُساهمة من طرف د.سامي الشريف الجمعة 29 نوفمبر 2013 - 10:22

    تعالى : { فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }
    واختلف العلماء في المسألة المشتركة ، وهي : زوج ، وأم أو جدة ، واثنان (1) من ولد الأم وواحد (2) أو أكثر من ولد الأبوين. فعلى قول الجمهور : للزوج النصف ، وللأم أو الجدة السدس ، ولولد الأم الثلث ، ويشاركهم فيه ولد الأب والأم بما بينهم من القدر المشترك وهو إخوةُ الأم.
    وقد وقعت هذه المسألة في زمن (3) أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فأعطى الزوج النصف ، والأم السدس ، وجعل الثلث لأولاد الأم ، فقال له أولاد الأبوين : يا أمير المؤمنين ، هب أن أبانا كان حمارا ، ألسنا من أم واحدة ؟ فشرك بينهم.
    وصح التشريك عنه وعن أمير المؤمنين عثمان ، وهو إحدى الروايتين عن ابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، رضي الله عنهم. وبه يقول سعيد بن المسيب ، وشريح القاضي ، ومسروق ، وطاوس ، ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، والثوري ، وشريك وهو مذهب مالك والشافعي ، وإسحاق بن راهويه.
    وكان علي بن أبي طالب لا يشرك بينهم ، بل يجعل الثلث لأولاد الأم ، ولا شيء لأولاد الأبوين ، والحالة هذه ، لأنهم عصبة. وقال وَكِيع بن الجراح : لم يختلف عنه في ذلك ، وهذا قول أبي بن كعب وأبي موسى الأشعري ، وهو المشهور عن ابن عباس ، وهو مذهب الشعبي وابن أبي ليلى ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والحسن بن زياد ، وزُفَر بن الهُذيل ، والإمام أحمد بن حنبل ، ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد ، وأبي ثور ، وداود بن علي الظاهري ، واختاره أبو الحسين بن اللبان الفرضي ، رحمه الله ، في كتابه "الإيجاز".
    وقوله : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ } أي : لتكون (4) وصيته على العدل ، لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة ، أو ينقصه ، أو يزيده على ما قدرَ الله له من الفريضة فمتى سعى في ذلك كان كمن ضاد الله في حكمته (5) وقسمته ؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم :
    حدثنا أبي ، حدثنا أبو النضر الدمشقي الفراديسي ، حدثنا عُمَر بن المغيرة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الإضرار في الوصية من الكبائر".
    وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا (6) وهو أبو حفص بصري سكن المصيصة ، قال أبو القاسم ابن عساكر : ويعرف بمفتي المساكين. وروى عنه غير واحد من الأئمة. وقال فيه أبو حاتم الرازي : هو شيخ. وقال علي بن المديني : هو مجهول لا أعرفه. لكن رواه النسائي في سننه عن علي ابن حجر ، عن علي بن مُسْهِر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، موقوفًا :
    __________
    (1) في جـ ، أ : "وابنان".
    (2) في ر : "وواحدا".
    (3) في جـ ، ر ، أ : "زمان".
    (4) في جـ ، ر ، أ : "لتكن" ، وفي أ : "ليكن".
    (5) في جـ : "حكمه".
    (6) تفسير الطبري (8/66) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (6/271) من طريق عمر بن المغيرة به.
    (2/231)
    ________________________________________
    تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)
    "الإضرار في الوصية من الكبائر". وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ، عن عائذ بن حبيب ، عن داود بن أبي هند. ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موقوفا (1) وفي بعضها : ويقرأ ابن عباس : { غَيْرَ مُضَارٍّ }
    قال ابن جريج (2) والصحيح الموقوف.
    ولهذا اختلف الأئمة في الإقرار للوارث : هل هو صحيح أم لا ؟ على قولين : أحدهما : لا يصح لأنه مظنة التهمة أن يكون قد أوصى له بصيغة الإقرار وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله قد أعْطَى كُلَّ ذِي حَق حَقَّه ، فلا وَصِيَّة لِوَارِثٍ". وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ، وأحمد بن حنبل ، والقول القديم للشافعي ، رحمهم الله ، وذهب في الجديد إلى أنه يصح الإقرار. وهو مذهب طاوس ، وعطاء ، والحسن ، وعمر بن عبد العزيز.
    وهو اختيار أبي عبد الله (3) البخاري في صحيحه. واحتج بأنّ رَافع بن خديج أوصى ألا تُكْشَف (4) الفَزَارية عما أغْلقَ عليه بابها قال : وقال بعض الناس : لا يجوز إقراره لسوء الظن به للورثة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إياكم والظنَّ ، فإن الظَّنَّ أكذبُ الحديث". وقال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [النساء : 58] فلم يخص وارثًا ولا غيره. انتهى ما ذكره.
    فمتى كان الإقرارُ صحيحًا مطابقًا لما في نفس الأمر جَرَى فيه هذا الخلاف ، ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم ، فهو حرام بالإجماع وبنص هذه الآية الكريمة { غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } [ثم قال الله] (5)
    { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) }
    أي : هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قُربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه ، هي حدود الله فلا تعتدوها ولا تجاوزوها ؛ ولهذا قال : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : فيها ، فلم يزد بعض الورثة ولم (6) ينقص بعضًا بحيلة ووسيلة ، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } أي ، لكونه غيَّر ما حكم الله به وضاد الله في حكمه. وهذا إنما يصدر عن (7) عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.
    __________
    (1) سنن النسائي الكبرى برقم (11092) وتفسير الطبري (8/65).
    (2) في أ : "ابن جرير".
    (3) في أ : "واختاره أبو عبد الله".
    (4) في جـ ، ر ، أ : "لا يكشف".
    (5) زيادة من أ.
    (6) في جـ ، ر ، أ : "ولا"
    (7) في جـ ، ر : "من".
    (2/232)
    --------------------------------
    قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شَهْر ابن حَوْشَب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الرَّجُلَ لَيَعْمَل بعمل أهل الخير سبعين سَنةً ، فإذا أوْصَى حَافَ في وصيته ، فيختم (1) بشر عمله ، فيدخل النار ؛ وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله فيدخل (2) الجنة". قال : ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } إلى قوله : { عَذَابٌ مُهِينٌ } (3).
    [و] (4) قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من (5) سننه : حدثنا عَبْدَة (6) بن عبد الله أخبرنا عبد الصمد ، حدثنا [نصر] (7) بن علي الحُدَّاني ، حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحُدَّاني ، حدثني شَهْرُ بن حَوشَب : أن أبا هريرة حدثه : أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ، ثم يحضرهما الموت فَيُضَاران في الوصية ، فتجب لهما النار" وقال : قرأ عليّ أبو هريرة من هاهنا : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ } حتى بلغ : { [وَ] (8) ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.
    وهكذا (9) رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عبد الله بن جابر الحُدَّاني به ، وقال الترمذي : حسن غريب ، وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل (10).
    __________
    (1) في جـ ، ر ، أ : "فيختم له".
    (2) في ر : "فيدخله"
    (3) المسند (2/278).
    (4) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (5) في جـ ، أ : "في".
    (6) في ر : "عبيدة".
    (7) زيادة من جـ ، ر ، أ.
    (8) زيادة من جـ.
    (9) في أ : "وكذا".
    (10) سنن أبي داود برقم (2867) وسنن الترمذي برقم (2117) وسنن ابن ماجة برقم (2704).
    (2/233)
    ---------------------------------

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 28 مارس 2024 - 23:01